النظام الدولي الجديد وموقع العرب منه

 

عادل دشيلة

هناك الكثير من الأصوات التي تنادي بتغيير النظام العالمي بطرق سلمية وبدون صراعات عسكرية وسياسية وذلك من خلال توسيع أعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث أنه من غير المنطقي أن يكون هناك خمس دول هي من تتحكم بزمام المبادرة في النظام العالمي ويتم تجاهل العالم الإسلامي في المشهد السياسي الدولي وجعل دوله مجرد دول هامشية، وأراضيه عبارة عن ميادين صراعات لتصفية الحسابات الدولية كما يحدث في بعض بلدان الوطن العربي وبعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة كما هو في كشمير والإيغور وبعض المناطق الأخرى.

يتعامل المجتمع الدولي اليوم مع الدول الإسلامية كدول هامشية مع أن هذه الدول تمتلك الرصيد الحضاري، والفلسفي، والثقافي، والديني، والتاريخي يمتد لقرونٍ من الزمن، إلا أنه ونظراً للاختلافات العميقة التي تعصف بالدول الإسلامية وخاصة الدول العربية والحروب الطائفية والنزاعات المسلحة، والانقلابات العسكرية والفساد المستشري في هذه الدول وعدم قدرتها على الانتاج جعلها مستبعدة من أن يكون لها يد قوية في النظام الدولي الجديد، خصوصا وأن الأنظمة العربية الحالية لا تستند لقاعدة شعبية، مما يجعل هذه الدول عرضة للابتزاز الأمريكي والدولي بشكل عام.

لاحظنا خلال المرحلة الماضية، كيف تجرأ ترمب على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة وذلك لعلمه أن الأنظمة العربية غارقة في صراعها مع شعوبها وليست مهتمة بما يحدث في فلسطين وغير قادرة على أن تقول: لا. ولا زلت أتذكر كيف كان الرئيس الأمريكي ترامب يبتز الدول العربية ويستخدم عبارات ساخرة ضد قادة بعضها والتي كان من المفترض أن هذه الدول- أي العربية بما تمثله من ثقل ديني وحضاري وتاريخي أن لا تخضع للابتزاز الأمريكي وأن ترفض سياسة الكيل بمكيالين في المنطقة. لكنها ضعيفة ولم تستطع أن تقول لا لسبب بسيط؛ لأنها ليست دول ديمقراطية.

غزة كشف عوار الأنظمة العربية والإسلامية

بعد أحداث 7 أكتوبر من العام الماضي، حينما حطمت المقاومة الفلسطينة الجدار الفاصل بين القطاع وبين مستوطنات غلاف غزة، قامت إسرائيل بشن عمليات جوية وبرية وبحرية واسعة النطاق، ولم تتوقف تلك العمليات حتى كتابة هذه السطور، حيث راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء. وعلى الرغم من المناشدات والمطالبات العربية العربية للمجتمع الدولي بضرورة التدخل لوقف المجزرة، ولكن لم يستمع المجتمع الدولي لتلك المناشدات بما في ذلك أمريكا. وقررت أمريكا الانحياز الكامل لإسرائيل ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.

ولم تنجح القمة الإسلامية- العربية التي عُقدت مؤخرا في السعودية، ولا منظمة المؤتمر الإسلامي، ولا جامعة الدول العربية في وقف المجزرة في غزة، وهذا يعني أن شراكات هذه الدول مع امريكا لم تشفع لها عند أمريكا، لأن أمريكا ترى أن من مصلحتها الحفاظ على إسرائيل ولو كان ذلك مخالفاً لكل القوانين والأعراف الدولية، وهذا يعني باختصار أنه لا قيمة لهذه الأنظمة العربية والإسلامية.

وعلى الرغم أيضًا، من إرسال الأمين العام للأمم المتحدة خطابه لمجلس الأمن مستخدما فيه المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن أمريكا استخدمت حق الفيتو ضد مشروع القرار- الذي طالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار في غزة. ومؤخرا تقدمت جنوب أفريقيا بدعوة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، باعتبار جرائمها في غزة ترتقي لجرائم حرب وتطهير عرقي ممنهج لسكان القطاع إلا أن قرارات المحكمة لم تستطع حتى الآن وقف الإبادة الجماعية في غزة.

النظام العالمي الجديد يتشكل ولا مكان للعرب فيه

حاليا توجد عدة أقطاب منها: المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومحور الصين وإيران وروسيا، ومحور دول الجنوب العالمي الذي يضم 123 دولة تقريبا، وأبرز دوله الهند، وهناك دول أخرى لها ثقل كبير سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا وآسيا بشكل عام، ومنها جنوب أفريقيا ومصر والسعودية وتركيا، بالإضافة إلى اندونيسيا. والسؤال المطروح، في ظل تشكل النظام الدولي الجديد: أين موقع العرب منه؟ وللإجابة على هذا السؤال فإن المعطيات تؤكد أنّه لا يمكن أن يكون للعرب أي موقع فيه، وأتخوف من أن تتصدر الصين وروسيا وحليفتهم إيران على منطقتنا وبالتالي يتم إعادة رسم خارطة المنطقة من جديد وهذا سيدخل منطقتنا في دوامة عنف جديدة سيجعل شعوب منطقتنا تعاني منه لعقود قادمة، ما لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان، وهذا لن يحدث ما لم يكن هناك رؤية واضحة لمشروع عربي جديد يتعامل مع تحديات المرحلة بشجاعة وصدق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق