محادثات مسقط بين إيران والولايات المتحدة: بداية تحول استراتيجي أم جولة تكتيكية في سباق مع الزمن؟

بقلم

ماجدة طالب

في تطور دبلوماسي مفاجئ، جرت يوم أمس محادثات غير مباشرة بين المسؤولين الإيرانيين والمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، ستيفن ويكتوف، في العاصمة العمانية مسقط. هذه المحادثات تأتي في وقت حساس مع التصعيد المتزايد في المنطقة، وتزامنًا مع محاولات الولايات المتحدة لتحديد مسار جديد في تعاملها مع طهران.

اللقاء الذي تم بوساطة عمانية، بين الجانبين، يشير إلى محاولات أميركية لإعادة الانخراط في المفاوضات مع إيران بعد سنوات من القطيعة والتصعيد. قد تكون هذه المحادثات خطوة نحو تجنب مزيد من التصعيد في ملف إيران النووي، حيث ركزت المباحثات على محاولة تحديد خارطة طريق جديدة للحد من برنامج طهران النووي، خاصة فيما يتعلق بمستويات تخصيب اليورانيوم.

إيران، التي تعاني من عقوبات اقتصادية خانقة، وتواجه تحديات اقتصادية داخلية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع التضخم وفقدان العملة المحلية الكثير من قيمتها، كانت تسعى للحصول على تنازلات أميركية، خاصة في ملف العقوبات وقطاع النفط. من جانبها، كانت الولايات المتحدة تسعى أيضًا إلى تحقيق تقدم في الملف النووي الإيراني باعتباره جزءًا من استراتيجيتها لتعزيز الأمن في المنطقة، وضمان عدم تحول إيران إلى قوة نووية.

خلال هذه المحادثات في مسقط، تم طرح مقترح أميركي يقضي بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما دون 5%، مقابل تخفيف جزئي للعقوبات الأميركية على طهران، بما في ذلك رفع بعض القيود على تصدير النفط الإيراني وإمكانية استعادة جزء من الأصول الإيرانية المجمدة. رغم أن إيران كانت متجاوبة إلى حد ما، فإنها اشترطت أن يكون أي خفض تدريجيًا مع رفع تدريجي للعقوبات، وأن يتم ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات كما حدث في السابق.

الملف النووي الإيراني يظل العقدة الرئيسية في هذه المحادثات. إيران، منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، استمرت في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم تدريجيًا، ما أثار مخاوف من أن إيران قد تقترب من امتلاك قدرات نووية. هذا الملف يشكل التحدي الأكبر في المفاوضات، إذ أن واشنطن لا ترغب في أن تسمح لطهران بتحقيق تقدم سريع في هذا المجال.

يتمثل الدور الرئيسي في هذه المحادثات في الوساطة العمانية التي نجحت مرة أخرى في تسهيل الحوار بين الجانبين. عمان، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، كانت بمثابة الجسر الذي ساعد في جمع الطرفين في وقت حساس.

فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ينظر المسؤولون الإيرانيون إلى أي تقدم في هذه المحادثات كفرصة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تهدد استقرار النظام الإيراني. العقوبات الأميركية تسببت في تراجع كبير في الاقتصاد الإيراني، وكان رفعها بمثابة طوق النجاة الذي يأمل المسؤولون في طهران أن يخفف من الضغوط الاقتصادية الداخلية.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التقدم في هذه المفاوضات يمكن أن يساهم في تقليل التوترات في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بأمن الطاقة في مضيق هرمز، الذي يشهد تهديدات مستمرة. تتابع واشنطن هذه المحادثات بحذر، وهي تدرك أن أي فشل في التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى تصعيد جديد في المنطقة.

ستبدأ الجولة القادمة من المحادثات يوم السبت القادم، وسط توقعات بأن تكون حاسمة. إذا تم التوصل إلى اتفاق تدريجي، فقد يكون خطوة نحو تقليل التوترات وتحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة. أما إذا فشلت المفاوضات، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التصعيد في التوترات بين طهران وواشنطن.

في النهاية، تبقى هذه المحادثات اختبارًا حقيقيًا للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران في المرحلة المقبلة، وسيكون لها تأثير كبير على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في السنوات القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *