عن منظمة “مواطنة”.. تبخر آخر الآمال في المناصرة

مقال رأي من موقع المصدر اون لاين

مصطفى الجبزي

    تتصاعد أصداء الارتطام المدوي لمنظمة مواطنة ما يهدد بانهيار واحدة من أكبر المنظمات الحقوقية في اليمن.

    ما تزال الوقائع تتجدد وأكثرها صدقا انفراط عقد العاملين فيها وتقديم استقالات جماعية.

    أمر يستحق الإلتفات والكتابة عنه لما يولده من خيبة أمل وفقدان مصداقية في المجتمع المدني.

    اطلعت على ما تناولته بعض المواقع اليمنية والتقرير الصادر عن أعضاء مجلس الأمناء.

    لكني أجد في الاستقالات الجماعية دلالة عميقة على وصول الأمر إلى مفترق طرق أخلاقي لا يمكن ترقيعه أو لملمته.

    ويؤسفني جداً المنحى الاستعطافي الذي يريد البعض تقريره لموضوع انهيار منظمة حقوقية معنية بالدفاع عن حقوق الناس ومناصرة المظلومين عبر كادر عليه التحوط بسلوكيات إدارية وحوكمة متينة تمكنه من القيام بهذه المهمة النبيلة.

    كما يوسفني صمت النساء اليمنيات المدافعات عن المرأة والمرأة العاملة تجاه ممارسات مشينة متكررة بحق موظفات أو السلوك التعسفي السلطوي.

    اطلعت أيضاً على منشورات الشخص المعني بهذه القضايا ومحاولته الذهاب بالأمر إلى أنه استهداف شخصي واستثمار لحالة إنسانية.

    الجميع معرض لهشاشة بدنية ونفسية ولا مجال للنغز هنا أو المزايدة والاستعطاف.

    هذا شأن صحي لا يصلح للاستثمار بأي اتجاه ولا ينفع للتشفي أو استدرار تعاطف الناس ولي عنق القضايا والتهرب من المسؤولية القيمية.

    أنا معني هنا بأمرين:

    أولا: مستقبل منظمات المجتمع المدني

    ثانيا: التعامل مع الجانب الإداري في منظمة مواطنة والابتعاد عن العواطف الشخصية.

    لأن مسألة الإساءة للموظفات وسوء استغلال المنصب الوظيفي هي مسألة أخلاقية حساسة جداً لا يمكن الدفاع عنها إلا من باب التواطؤ اللاأخلاقي.

    برأيي هذه مسألة جنائية يجب أن تأخذ مسار العدالة وألا تُترَك للمكايدات والاستقطابات أو تصفيتها بالصمت والتخادم.

    عودة إلى مستقبل المجتمع المدني، تعيش اليمن أزمة ثقة بالمؤسسات العمومية والخارجية. وانبثاق مجتمع مدني صلب يقوم على معايير حوكمة ويمتلك حساسية وطنية وحس أخلاقي رفيع يترفع عن الفساد المالي والإداري والأخلاقي كان هو آخر بصيص أمل في البلاد.

    ما ظهر إلى الآن حول منظمة كبيرة وفاعلة وذات سمعة دولية وكانت مرشحة لنيل جائزة نوبل والترشح للصفة الاستشارية في مجلس حقوق الإنسان وتقف وعلى رأسها سيدة صنفت أنها من الشخصيات الأكثر تاثيراً في العالم أمر أكثر من مخيب للآمال. بل صدمة قيمية حقيقية.

    وأتوقع أن منظمات نبتت نبتة غير سوية في ظروف الحرب ستكون تالية في كشف المستور وانكشاف الإنحطاط.

    ما ظهر هو انسداد لباب أي أمل في التغيير ومكافحة الفساد والانتصار للمظلومين وتحقيق عدالة انتقالية.

    تظهر هذه الحوادث في لحظة ينال الكثيرون بالباطل من المنظمات والعاملات فيها حين تكال التهم القبيحة والفاجرة لمنظمات إغاثية وحقوقية وإنسانية رغبة في قطع سبل المساعدة للمحتاجين وتقييد المجتمع وتجويعه وفرض منطق الخوف والشك والإرتياب داخل الأسرة.

    ثم تأتي وقائع كهذه تقسم الظهر. وإذا لم تفعل فإن سلوك المعنيين والتنصل عن المسؤولية بحذلقات إداريه هو القاصمة.

    لكني بعد قراءة تقرير أعضاء مجلس الأمناء أرى أنه من المناسب التطرق لمحتوى التقرير الخاص بالممارسات الإدارية التي في زحمة الأشياء يمكن أن نغفل عنها.

    1- يشير التقرير إلى اختلالات هيكلية جسيمة رافقت عمل المنظمة من البداية.

    منها استحداث منصب نائب رئيس غير موجود في اللائحة.

    2- نحن أمام منظمة تدعي تبني أشد معايير الحوكمة وتتحصن بمجلس أمناء كفء وخارجي لكنها محاباة ومنظمة عائلية.

    3- عائلية بالفعل إذا عرفنا من كان المحاسب الخارجي طيلة سنوات العمل وصلته برؤساء المنظمة. واستغرب من تجاهل الممولين الدوليين لهذه النقطة وتغافلهم عن اتقاء شبهات تضارب المصالح.

    4- ثم كيف لمنظمة حقوقية يديرها شابان لهما تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الناس وعن انتقاد فساد المؤسسات الحكومية أن يصمما لوائح داخلية ومدونة سلوك ومعايير تأديبية ثم يستثنيان أنفسهما من هذه المعايير؟ سيما إذا عرفنا أن أحدهما كان في لجنة ستصمم مستقبل اليمن في 2013.

    أتابع تقارير المنظمة باهتمام، أشيد ببعضها وأتحفظ على البعض خصوصاً المتعمد وصم منطقة جغرافية ما بالإرهاب ويعزز سرديته هذه بأن ينسب وقائع لجماعة متطرفة ثم تنفي هذه الجماعة أن لها يد بالأمر ولاحقاً ترسل المنظمة موظفيها لإنجاز تقارير في المنطقة الموصومة دون اعتبار لحياة الموظف.

    ساءني من رئيسي المنظمة تعاملهما مع الصحفي لطف الصراري واستغلال حالته الصحية (البدنية) والتنكر لحقوقه بغطاء قانوني فج..

    قضية مشهودة في الوسط الصحفي اليمني وما تزال عالقة في الأذهان.

    قدمت الحقوقية يومها عريضة دفاع عن مزايا الزوج على حساب الوضع القانوني والأخلاقي والمهني للصحفي.

    قلت لحظتها: لا يمكن الائتمان على حقوق المواطنين من شخص لا يتورع عن انتهاك حقوق أقرب العاملين معه.

    هذه الحوادث ستلقي بظلالها على مجمل ما أنجزته المنظمة في الجانب الحقوقي وتخدش مصداقية جهود العاملين ونزاهتهم المهنية.

    لكن تبعاتها لا تقتصر على منظمة بعينها. هناك مسؤولية اجتماعية وجماعية وستتضرر منظمات وجمعيات عديدة في اليمن. “إذا كان بيت الله يوطل فأين الكنان”.

    تبقى أن أضيف نقطة أخيرة هي سنام التلاعب بالأعراف الإدارية ونتيجتها كانت تعطيل لعمل المنظمة وفق اللوائح للبت في هذّه المسألة ما دفع الأعضاء إلى الاستقالة

    ‏صُمّمت هذه المنظمة لتكون العصمة بيد رئيستها وهي في الوقت نفسه رئيسة مجلس الأمناء. وهذا تضارب مصالح وإفراغ لمعنى الهيكل.

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *