“بنك اليمن الدولي بين العقوبات الأمريكية والانقسام النقدي”
ماجدة طالب
في 17 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، فرض عقوبات على البنك االيمن الدولي (IBY) بتهمة تقديم دعم مالي مباشر لجماعة الحوثيين في اليمن، المصنّفة ضمن قائمة الإرهاب العالمية. هذه الخطوة تأتي في سياق استهداف واشنطن للمؤسسات التي تراها جزءًا من “شبكة التهديد الإيرانية”، وبالتحديد الكيانات التي توفّر للحوثيين موطئ قدم داخل النظام المالي الدولي.
العقوبات، التي شملت أيضًا تجميد أصول وفرض حظر على ثلاثة من أبرز قيادات البنك، تحمل في طيّاتها دلالات سياسية واقتصادية تتجاوز حدود البنك نفسه، وتمتد إلى صورة اليمن المالية، وانقسام سلطاته النقدية، ومصير المدنيين العالقين في مشهد جيوسياسي معقد.
البنك اليمن الدولي، الذي يتخذ من صنعاء مقرًا له، يعتبر أحد أقدم وأضخم البنوك التجارية العاملة في اليمن. لكن منذ انقلاب الحوثيين على العاصمة في 2014، باتت معظم المؤسسات المالية، بما فيها هذا البنك، تعمل تحت مظلة الجماعة التي أعادت تشكيل المنظومة المصرفية بما يتماشى مع مصالحها.
وبحسب بيان الخزانة الأمريكية، يستخدم الحوثيون البنك لتنفيذ تحويلات دولية عبر شبكة SWIFT، وشراء المشتقات النفطية، بالإضافة إلى تسهيل مصادرة أموال خصومهم السياسيين والاقتصاديين. كما يرفض البنك تلبية طلبات المعلومات الصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن، ما يعكس انفصالًا واضحًا عن سلطة الدولة المعترف بها دوليًا.
هذه العقوبات تأتي بعد أسابيع من إعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، في وقت يشهد البحر الأحمر تصعيدًا عسكريًا حوثيًا يستهدف الملاحة الدولية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا للأمن العالمي. العقوبات على البنك ليست إجراءً معزولًا، بل تكمّل استراتيجية “الضغط الاقتصادي المزدوج”، التي تهدف إلى تقليص قدرة الحوثيين على تمويل عملياتهم، من جهة، وتحفيز البنوك العاملة في مناطقهم للانتقال إلى عدن حيث الحكومة الشرعية، من جهة أخرى.
ومع أن عددًا من البنوك التجارية بدأت بالفعل خطوات نقل مقراتها، فإن البنك الدولي اليمني ظل متمسكًا بصنعاء، في ما يُنظر إليه كتحدٍّ مباشر للشرعية ولمبادئ الشفافية المالية.
ما بين الخنق المالي والعقاب الجماعي
رغم أن الهدف المعلن هو حرمان الحوثيين من مصادر التمويل، إلا أن هذه العقوبات تُسلّط الضوء أيضًا على هشاشة الوضع المالي في اليمن، حيث لا تزال النسبة الأكبر من السكان ومراكز الثقل الاقتصادي تحت سيطرة الجماعة. وبالتالي، فإن تعطيل المؤسسات المالية العاملة هناك يعني – فعليًا – ضرب الشريان النقدي المتبقي لملايين المدنيين الذين يعتمدون على الحوالات والرواتب والمساعدات عبر هذه القنوات.
التحويلات المالية من الخارج، وهي أحد أعمدة الاقتصاد اليمني بعد انهيار قطاع النفط والسياحة، قد تواجه تأخيرات وتعقيدات إضافية. وهذا يضع اليمنيين بين فكي كماشة: نظام مصرفي منهك، وسلطة أمر واقع مليشاوي تسيطر على المؤسسات، وعقوبات دولية قد تقطع شريان الحياة عن الأبرياء بجانب القصف والحصار .
البنك المركزي في عدن: مكاسب مؤقتة أم فرصة استراتيجية؟
من جانب آخر، قد تمثل هذه العقوبات فرصة للحكومة الشرعية في عدن لتعزيز سلطتها على القطاع المصرفي، وفرض الشفافية والحوكمة على المؤسسات العاملة في مناطق سيطرتها. لكن هذا مرهون بقدرة البنك المركزي على تقديم بدائل موثوقة وآمنة للمصارف، وتوفير بيئة قانونية واقتصادية مستقرة تشجع البنوك على الانتقال دون المخاطرة بفقدان عملائها أو أصولها.
العقوبات قد تدفع ببعض البنوك إلى التفكير جديًا بالانفصال عن صنعاء، لكنها في ذات الوقت قد تخلق بيئة من التردد والمخاوف في أوساط المستثمرين والمودعين، خصوصًا في ظل غياب حل سياسي شامل يضمن وحدة المنظومة النقدية والاقتصادية في البلاد.
مرة أخرى، يتحول الاقتصاد اليمني من وسيلة للبناء إلى أداة للحرب. العقوبات على البنك اليمن الدولي تحمل رسالة واضحة: لا مجال للحياد في بيئة منقسمة، وكل من يتعامل مع الحوثيين سيتحمّل العواقب. لكن الرسائل لا تطعم الجائعين، ولا تعيد الاستقرار لبلد ممزق امام شرعية غير قادرة على الوحدة ووضع مشروع جامع يخرج اليمن من ازمتها الاقتصادية او لحسم المعركة لمواجهة الحوثيين او اخضاع الحوثي للعودة الى السلام وحارطة الطريق
يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح واشنطن في خنق قدرات الحوثيين المالية دون خنق اليمنيين أنفسهم؟ أم أننا أمام فصل جديد من المعاناة الاقتصادية التي يدفع ثمنها الضعفاء، بينما تستمر النخب في تقاسم النفوذ على حساب الدولة والناس؟